فصل: تفسير الآية رقم (94):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُواْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ (93)}.
بعد أن ذكرهم الله سبحانه وتعالى بكفرهم بعبادتهم للعجل.. وكان هذا نوعا من التأنيب الشديد والتذكير بالكفر.. أراد أن يؤنبهم مرة أخرى وأن يذكرهم أنهم آمنوا خوفا من وقوع جبل الطور عليهم.. ولم يكن الجبل سيقع عليهم.. لأن الله لا يقهر أحدا على الإيمان.. ولكنهم بمجرد أن رأوا جبل الطور فوقهم آمنوا.. مثلهم كالطفل الذي وصف له الطبيب دواء مرا ليشفى ولذلك فإن رفع الله سبحانه وتعالى لجبل الطور فوقهم ليأخذوا الميثاق والمنهج.. لا يقال إنه فعل ذلك إرغاما لكي يؤمنوا.. إنه إرغام المحب.. يريد الله من خلقه ألا يعيشوا بلا منهج سماوي فرفع فوقهم جبل الطور إظهارا لقوته وقدرته تبارك وتعالى حتى إذا استشعروا هذه القوة الهائلة وما يمكن أن تفعله لهم وبهم آمنوا.. فكأنهم حين أحسوا بقدرة الله آمنوا.. تماما كالطفل الصغير يفتح فمه لتناول الدواء المر وهو كاره.. ولكن هل أعطيته الدواء كرها فيه أو أعطيته له قمة في الحب والإشفاق عليه؟
الله سبحانه وتعالى يريد أن يلفتهم إلي أنه لم يترك حيلة من الحيل حتى يتلقى بنو إسرائيل منهج الله الصحيح.. نقول إنه لم يترك حيلة إلا فعلها.. لكن غريزة الاستكبار والعناد منعتهم أن يستمروا على الإيمان.. تماما كما يقال للأب إن الدواء مر لم يحقق الشفاء وطفلك مريض.. فيقول وماذا افعل أكثر من ذلك أرغمته على شرب الدواء المر ولكنه لم يشف.
وقول الله تعالى: {ميثاقكم}. هل الميثاق منهم أو هو ميثاق الله؟. طبعا هو ميثاق الله.. ولكن الله جل جلاله خاطبهم بقوله: {ميثاقكم} لأنهم أصبحوا طرفا في العقد.. وماداموا قد أصبحوا طرفا أصبح ميثاقهم.. ولابد أن نؤمن أن رفع جبل الطور فوق اليهود لم يكن لإجبارهم لأخذ الميثاق منهم حتى لا يقال أنهم أجبروا على ذلك.. هم اتبعوا موسى قبل أن يرفع فوقهم جبل الطور.. فلابد أنهم أخذوا منهجه باختيارهم وطبقوه باختيارهم لأن الله سبحانه وتعالى لم يبق الطور مرفوعا فوق رءوسهم أينما كانوا طوال حياتهم حتى يقال أنهم أجبروا.. فلو أنهم أجبروا لحظة وجوه جبل الطور فوقهم.. فإنهم بعد أن انتهت هذه المعجزة لم يكن هناك ما يجبرهم على تطبيق المنهج.. ولكن المسألة أن الله تبارك وتعالى.. حينما يرى من عباده مخالفة فإنه قد يخيفهم.. وقد يأخذهم بالعذاب الأصغر علهم يعودون إلي إيمانهم.. وهذا يأتي من حب الله لعباده لأنه يريدهم مؤمنين.
ولكن اليهود قوم ماديون لا يؤمنون إلا بالمادة والله تبارك وتعالى أراد أن يريهم آية مادية على قلوبهم تخشع وتعود إلي ذكر الله.. وليس في هذا إجبار لأنه كما قلنا إنه عندما انتهت المعجزة كان يمكنهم أن يعودوا إلي المعصية.. ولكنها آية تدفع إلي الإيمان.
وقوله تعالى: {خذوا ما آتيناكم بقوة} لأن ما يؤخذ بقوة يعطى بقوة.. والأخذ بقوة يدل على عشق الآخذ للمأخوذ.. ومادام المؤمن يعشق المنهج فإنه سيؤدي مطلوباته بقوة.. فالإنسان دائما عندما يأخذ شيئا لا يحبه فإنه يأخذه بفتور وتهاون.
قوله تعالى: {واسمعوا قالوا سمعنا وعصينا}.. القول هو عمل اللسان والفعل للجوارح كلها ما عدا اللسان.. هناك قول وفعل وعمل.. القول أن تنطق بلسانك والفعل أن تقوم جوارحك بالتنفيذ.. والعمل أن يطابق القول الفعل.. هم: {قالوا سمعنا وعصينا} هم سمعوا ما قاله لهم الله سبحانه وتعالى وعصوه.. ولكنها معطوفة على قالوا.. قالوا سمعنا في القول وفي الفعل عصينا.. وليس معنى ذلك أنهم قالوا بلسانهم عصينا في الفعل.. فالمشكلة جاءت من عطف عصينا على سمعنا.. فتحسب أنهم قالوا الكلمتين.. لا.. هم قالوا سمعنا ولكنهم لم ينفذوا فلم يفعلوا والله سبحانه وتعالى يريدهم أن يسمعوا سماع طاعة لا سماع تجرد أي مجرد سماع.. ولكنهم سمعوا ولم يفعلوا شيئا فكأن عدم فعلهم معصية.
قوله تعالى: {وأشربوا في قلوبهم العجل}. الحق تبارك وتعالى يريد أن يصور لنا ماديتهم.. فالحب أمر معنوي وليس أمرًا ماديًا لأنه غير محسوس.. وكان التعبير يقتضي أن يقال وأشربوا حب العجل.. ولكن الذي يتكلم هو الله.. يريد أن يعطينا الصورة الواضحة الكاملة في أنهم أشربوا العجل ذاته أي دخل العجل إلي قلوبهم. لكن كيف يمكن أن يدخل العجل في هذا الضيق وهو القلب.. الله سبحانه وتعالى يريد أن يلفتنا إلي الشيوع في كل شيء بكلمة أشربوا.. لأنها وصف لشرب الماء والماء يتغلغل في كل الجسم.. والصورة تعرب عن تغلغل المادية في قلوب بني إسرائيل حتى كأن العجل دخل في قلوبهم وتغلغل كما يدخل الماء في الجسم مع أن القلب لا تدخله الماديات.
ويقول الحق جل جلاله: {وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم}.. كأن الكفر هو الذي أسقاهم العجل.. هم كفروا أولا.. وبكفرهم دخل العجل إلي قلوبهم وختم عليها.
وقوله تعالى: {قل بئسما يأمركم به إيمانكم إن كنتم مؤمنين}.. هم قالوا نؤمن بما أنزل علينا ولا نؤمن بما جاء بعده.. قل هل إيمانكم يأمركم بهذا؟.. وهذا أسلوب تهكم من القرآن الكريم عليهم.. مثل قوله تعالى: {أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} من الآية 56 سورة النمل.
هل الطهر والطهارة مبرر لإخراج آل لوط من القرية؟.. طبعا لا.. ولكنه أسلوب تهكم واستنكار.. والحق أن إيمانهم بهذا بل يأمرهم بالإيمان برسالة محمد صلى الله عليه وسلم.. واقرأ قوله تبارك وتعالى: {وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاء وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156) الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157)} سورة الأعراف.
هذا هو ما يأمرهم به إيمانهم.. أن يؤمنوا بالنبي الأمي محمد عليه الصلاة والسلام.. والله تبارك وتعالى يعلم ما يأمرهم به الإيمان لأنه منه جل جلاله.. ولذلك عندما يحاولون خداع الله.. يتهكم الله سبحانه وتعالى عليهم ويقول: {بئسما يأمركم به إيمانكم إن كنتم مؤمنين}.
وقوله تعالى: {إن كنتم مؤمنين} دليل على أنهم ليسوا مؤمنين.. ولكن لازال في قلوبهم الشرك والكفر أو العجل الذي عبدوه. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
{بِالبَيِّنَاتِ} يجوز فيه وجهان:
أحدهما: أن يكون حالًا من {موسى} أي: جاءكم ذا بيِّنات وحُجَج، أو ومعه البينات.
وثانيهما: أن يكون مفعولًا، أي: بسبب إقامة البَيّنات، وهي قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا موسى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} [الإسراء: 101] وهي: العصا والسّنون واليد والدم والطّوفان والجراد والقمل والضفادع وفلق البحر.
وقيل: البينات التوراة وما فيها من الدّلالات.
واللام في {لقد} لام القسم.
قوله: {وأُشْربوا} يجوز أن يكون معطوفًا على قوله.
{قَالُوا سَمِعْنَا}، ويجوز أن يكون حالًا من فاعل {قالوا} أي: قالوا ذلك، وقد أشربوا.
ولابد من إضمار قد ليَقْرُبَ الماضي إلى الحال خلافًا للكوفيين، حيث قالوا: لا يحتاج إليها، ويجوز أن يكون مستأنفًا لمجرد الإخبار بذلك.
واستضعفه أبو البقاء رحمه الله تعالى قال: لأنه قال بعد ذلك: {قل بِئْسَمَا يأمركم} فهو جواب قولهم: {سمعنا وعصينا} فالأولى ألا يكون بينهما أجنبي.
والواو في {أشربوا} وهي المفعول الأول قامت مقام الفاعل، والثاني هو {العِجْل}؛ لأن شرب يتعدّى بنفسه، فأكسبته الهمزة مفعولًا آخر، ولابد من حذف مُضَافين قبل {العِجْل} والتقدير: وأشربوا حُبَّ العِجْل.
وحسن حَذْفُ هذين المضافين للمبالغة في ذلك حتى كأنه تُصُوِّر إشراب ذات العِجْل، والإشراب مُخَالطة المائع بالجامد، ثم اتّسع فيه حتى قيل في الألوان نحو: أشرب بياضُه حُمْرةً، والمعنى: أنهم دَاخَلَهم حُبُّ عبادته، كما داخلَ الصّبغُ الثوبَ.
ومنه قول الشاعر: الوافر:
إذّا ما القَلْبُ أُشْرِبَ حُبَّ شَيْءٍ ** فَلاَ تَأْمَلْ لَهُ الدَّهْرَ انْصِرَافا

وعبر بالشرب دون الأكل؛ لأ، الشرب يَتَغَلْغَلُ في باطن الشيء، بخلاف الأكل فإنه مُجَاور؛ ومنه في المعنى: الطويل:
جَرَى حُبُّهَا مَجْرَى دَمِي في مَفَاصِلِي

وقال بعضهم: الوافر:
تَغَلْغَلَ حُبُّ عَثْمَةَ في فُؤَادِي ** فَبَادِيهِ مَعَ الخافِي يَسِيرُ

تَغَلْغَلَ حَيْثُ لَمْ يَبْلُغْ شَرَابٌ ** وَحُزْنٌ وَلَمْ يَبْلُغْ سُرورُ

أَكَادُ إِذَا ذكَرْتُ العَهْدَ مِنْهَا ** أَطِيرُ لَوَ أنَّ إِنْسَانًا يَطِيرُ

فهذا وجه الاستعارة.
وقيل: الشرب مادة لحياة ما تخرجه الأرض، فكذلك كانت تلك المحبة مادة لجميع ما صدر عنهم من الأفعال.
وقيل: الإشراب هنا حقيقة؛ لأنه يروى أن موسى عليه الصلاة والسلام برد العجل بِالمبْرد، ثم جعل تلك البُرَادة في الماء، وأمرهم بشربه، فمن كان يحب العجل ظهرت البُرَادة على شَفَتَيْهِ.
روي القَشَيْري رحمه الله أنه ما شربه أحد إلا جُنَّ.
قال القرطبي رحمه الله: أما تَذْرِيَتُهُ في الماء فقد دلّ عليه قوله تعالى: {ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي اليم نَسْفًا} [طه: 97]، وأما شرب الماء وظهور البُرَادة على الشِّفاه وهذا وإن كان قال به السّدي وابن جريج وغيرهما فردّه قوله: {في قُلُوبِهِمْ}.
قوله: {بِكُفْرِهِم} فيه وجهان:
أظهرهما: أن الباء سببية متعلّقة ب {أُشْرِبُوا} أي: أشربوا بسبب كفرهم السَّابق.
والثاني: أنها بمعنى على يعنون بذلك أنها للحال، وصاحبها في الحقيقة ذلك للفاعل المحذوف أي: أشربوا حبّ عبادة العِجْل مختلطًا بكفرهم، والمصدر مضاف للفاعل، أي: بأن يكفروا.
قوله: {قُلْ بِئْسَمَا يَأمُرُكُمْ} كقوله: {بِئْسَمَا اشْتَرَوْا}.
والمعنى: فبئسما يأمركم به إيمانكم الذي زعمتم في قولكم: {نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ} [البقرة: 91].
وقيل: إن هذا خطاب للنبيّ صلى الله عليه وسلم وأمر له بأن يوبّخهم أي: قل لهم يا محمد: بئس هذه الأشياء التي فعلتم، وأمركم بها إيمانكم أي: بالتوراة لأنه ليس في التوراة عبادة العِجْل وإضافة الأمر إلى إيمانهم كما قالوا لشعيب صلى الله عليه وسلم: {أَصَلَوَاتُكَ تَأْمُرُكَ} [هود: 87].
قوله: {إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} يجوز فيها الوجهان السابقين من كونها نافيةً وشرطيً، وجوابه محذوف تقديره: فبئسما يأمركم.
وقيل: تقديره: فلا تقتلوا أنبياء الله، وَلاَ تُكَذِّبُوا الرّسل ولا تكتموا الحق؛ وأسند الإيمان إليهم تهكُّمًا بهم، ولا حاجة إلى حذف صفة، أي إيمانكم الباطل، أو حذف مُضَاف، أي: صاحب إيمانكم.
وقرأ الحسن: {هُو إيمَانُكُمْ}بضم الهاء مع الواو.
فإن قيل: الإيمان عرض، ولا يصح الأمر والنهي.
فالجواب: أن الدَّاعي إلى الفعل قد يشبه بالأمر كقوله: {إِنَّ الصلاة تنهى عَنِ الفحشاء والمنكر} [العنكبوت: 45]. اهـ. باختصار.

.تفسير الآية رقم (94):

قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآَخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (94)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما نهضت الأدلة على أنه لا حظ لهم في الآخرة غير النار وذلك نقيض دعواهم أنها لهم فقط في قولهم: {لن تمسنا النار إلا أيامًا معدودة} [البقرة: 80] تفسيرهم ذلك بأنها سبعة أيام وأنا نخلفهم فيها ختم سبحانه ذلك بدليل قطعي بديهي فقال: {قل إن كانت} وقدم الجار إشعارًا بالاختصاص فقال: {لكم الدار الآخرة} أي كما زعمتم، وميزها بقوله: {عند الله} الذي له الكمال كله وبين المراد بقوله: {خالصة} ولما ذكر الخلوص تأكيدًا للمعنى زاده تأكيدًا بقوله: {من دون الناس} أي سائرهم لا يشرككم فيها أحد منهم من الخلوص وهو تصفية الشيء مما يمازجه في خلقته مما هو دونه- قاله الحرالي.
{فتمنوا الموت} لأن ذلك علم على صلاح حال العبد مع ربه وعمارة ما بينه وبينه ورجائه للقائه.
قال الحرالي: فعلى قدر نفرة النفس من الموت يكون ضعف منال النفس مع المعرفة التي بها تأنس بربها فتتمنى لقاءه وتحبه، ومن أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه، يقع ذلك لعامة المؤمنين عند الكشف حال الغرغرة، ولخاصة المؤمنين في مهل الحياة لأنهم لو كشف لهم الغطاء لم يزدادوا يقينًا، فما هو للمؤمن بعد الكشف من محبة لقاء الله فهو للموقن في حياته ويقظته، لكمال الكشف له مع وجود حجاب الملك الظاهر؛ ولذلك ما مات نبي حتى يخير فيختار لقاء الله، لتكون وفادته على الله وفادة محب مبادر، ولتقاصر المؤمن عن يقين النبي يتولى الله الخيرة في لقائه، لأنه وليه، ومنه ما ورد: «ما ترددت في شيء ترددي في قبض روح عبدي المؤمن يكره الموت، وأنا أكره مساءته ولابد له منه» ففي ضمن ذلك اختيار الله للمؤمن لقاءه، لأنه وليه يختار له فيما لا يصل إليه إدراكه. انتهى.
ثم سجل عليهم بالكذب فقال: {إن كنتم صادقين} أي معتقدين للصدق في دعواكم خلوصها لكم. اهـ.